أي عمل يقوم به الإنسان لا بد من التهيئة له, مثلًا القيام للصلاة... للأكل... أو لقراءة القرآن.
اذكر ما يجب عمله قبل تلك الأعمال بأمثلة على ذلك: 1ـ ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ﴾ [المائدة: 6]... بمعنى إذا أردت القيام للصلاة. 2ـ وإذا أكلت فسمِّ([42]).... بمعنى إذا أردت أن تأكل فسمِّ الله. 3ـ ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]... بمعنى إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
ج: خصت قراءة القرآن بالاستعاذة أولًا امتثالًا لقول الله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98] لأن قراءة القرآن من العبادات, فالشيطان حريص كل الحرص على أن يتمثل للإنسان في عباداته وجميع أعماله الصالحة ليفسدها.
ج: الشيطان منذ خلق الله البشر وخروج آدم من الجنة أقسم وتوعد بالغواية كما جاء في كتاب الله على لسان الشيطان ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82, 83] أقسم الشيطان بعزة الله أن يضل بني آدم بتزيين الشهوات لهم وإدخال الشبهة عليهم إلا الذين أخلصهم الله لعبادته وعصمهم من الشيطان الرجيم, أي هؤلاء لا يقدر على إضلالهم وإغوائهم مع محاولاته الكثيرة لهم بارتياد أماكنهم ومجالسهم, فعلى المؤمن أن يأخذ حذره من هذا العدو فقال سبحانه في كتابه: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168 ـ 169].
ج: يجري الشيطان من الإنسان مجرى الدم ولا يصر إلا على ارتياد المواضع التي يكثر فيها الذكر والعبادات والتردد عليها, لذا يوجد في الصلاة ـ الزكاة ـ الصوم ـ قراءة القرآن ـ وجميع الأعمال الصالحة.
ج: الأماكن المشبوهة الفاسدة قد سيطر الشيطان عليها وعلى كل روادها, ومثال على ذلك: ـ الشيطان يفرح بزيارتك للسينما ومشاهدة الأفلام الفاسدة. ـ يفرح بجلوسك لساعات طويلة أمام التلفاز لمشاهدة المسلسلات التي تشغلك عن ذكر الله. ـ يفرح بجلوسك في مجالس الغيبة والنميمة. ـ يفرح بجلوسك في مجالس البدع والضلالة. ـ يفرح لهجرك القرآن طويلًا. ـ يفرح لتركك الصلاة أو إهمالها أو نسيانها. ـ يفرح لتركك السنن والنوافل. ـ يفرح لنومك العميق تحت فراشك الدافئ غافلًا عن فضل صلاة الليل وقراءة القرآن في جوفه. ـ يفرح لتركك الزكاة والصدقات. ـ يفرح لتركك الصيام والقيام في رمضان, أو نافلةً تقربك إلى الله. وهناك أمثلة كثيرة كثيرة, ومجمل القول: يفرح لكل ما يبعد العبد عن خالقه... إذن فهو لا يزورك في هذه الأماكن كثيرًا لأنه كسبك في صفه وأصبحت من أتباعه ولكن يصر على أن يأتيك في الأماكن التي يكثر فيها الذكر حتى يصرف العبد عما هو فيه.
ج: يأتي إلى العبد في صلاته ابتداء من أول قيامه للصلاة فيؤخره بمشاغل الدنيا حتى تفوته, فإن لم يقدر أتاه في الوضوء ويشككه في الماء الذي يتوضأ منه فيقول: من أين لك أنه طاهر, أو يجعله يتوضأ مرات ومرات طالبًا للطهارة, وبذلك يكون قد أسرف في الماء أو فاته وقت الصلاة. وإذا لم يقدر عليه أتاه في الصلاة وأشغله بأمور الدنيا, فإن لم يستطع فيشغله في أمور لا يشك المصلي أن وراءها الشيطان كانشغاله بمخارج الحروف فتراه يقول (الحمد ـ الحمد) فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عليه في تحقيق الشدة وتارة في إخراج حرف الضاد واستطالته في كلمة ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ أو بأداء صفة الرخاوة في الغين في ﴿المَغْضُوبِ﴾ وهكذا, وإن لم يقدر عليه في صلاته المكتوبة أتاه في السنن والنوافل فيتركها أو يهملها, وكذا الصيام والزكاة مبديًا له التعب والمشقة في الصيام والفقر وقلة المال في الزكاة.
ج: (يأتي الشيطان للإنسان عند تلاوة القرآن لأن القرآن بعيد السنا، شديد الضياء، يهدي للتي هي أقوم, ويعصم عن الزيغ والزلل، والشيطان حريص كل الحرص كما قلنا على أن يأتي الإنسان وهو يمشي في دروب الحياة لا نور معه ولا حصانة لعله يتردى فلا يقوم, أو يتيه فلا يصل. فالشيطان يحب أن يصرف الإنسان عن التلاوة ويحرمه من بركات الوحي, ولحظات الاستعداد للتلاوة, صراع بين الحق والباطل, بين الهدى والضلال, لا بد أن ننتبه ونستعد لها, ومن هنا علّمنا القرآن وأدبنا أن الاستعداد والتحضر لهذه المنة العظمى وهي تلاوة القرآن لا تكون إلا بالاعتصام والالتجاء إلى الله حتى نحسن الفهم وتتم لنا التزكية)([43]).
ج: إذا تعوّذ العبد في بداية تلاوته أو أي عمل شعر بوجود الشيطان فيه فإنه يرتعد خوفًا ورعشة من الاستعاذة بالله, وعندما يتكرر ارتعاد الشيطان لهذه الكلمة فإنه يعرف أن هذا الإنسان العابد لن يحيد عن طاعة الله إلى المعاصي. هذا ما سنعرفه في درس اليوم عن الاستعاذة في القرآن وصياغتها وحكمها وأحوالها.
ج: الاستعاذة لغة: هي مصدر استعاذ أي طلب العون والعياذ والالتجاء والاعتصام والحصن.
ج: هي التحصن والالتجاء والاعتصام بالله من الشيطان الرجيم, فإذا قلت: أعوذ بالله في أول السورة فكأنك تقول: «ربي أقرأ كتابك, ولكنْ هناك عدو لي, ألجأ إليك وأتحصن وأعتصم وأستعين بك منه، وهو الشيطان الرجيم».
ج: الصيغة المختارة لجميع القراء من حيث الرواية عن النبي ﷺ: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» كما ورد في سورة «النحل» وذلك في قوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98] وهناك صيغ أخرى يجوز الإتيان بها مثل: (أعوذ بالله من الشيطان), (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم), (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم), (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم) وغيرها. قال الإمام الشاطبي: إذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ جِهَارًا مِنَ الشَّيْطَانِ بالله مُسْجلاَ عَلَى مَا أَتَى فِي النَّحْلِ يُسْرًا وإِنْ تَزِدْ لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ
ج: يقطع القارئ قراءته لسببين: السبب الأول: أن يقطعها ويتكلم بكلام من جنس القراءة كتصحيح خطأ أو بيان معنى الآية أو نحوها، أو قطع القراءة لعطاس أو سعلة أو نحنحة ونحو ذلك ما لا ينفك عن القراءة غالبًا, فالحكم في هذه الحالة أنه لا يعيد الاستعاذة مرة أخرى لأن الأمور المتقدمة مما يتعلق بالقراءة تعلقًا لا ينفك عنها. السبب الثاني: أما لو قطع القراءة وتكلم بكلام أجنبي([44]) خارج عن جنس القراءة وخارج موضوعها فإنه يعيد الاستعاذة فكأن الاستئناف مرة أخرى بمنزلة القراءة المبتدأة([45]).
ج: اختلف القراء في حكم الاستعاذة فمنهم من يرى أن الاستعاذة على سبيل الندب أي على سبيل الاستحباب (أي مستحبة) وهو قول الجمهور واستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98], وذهب البعض الآخر إلى أن الاستعاذة واجبة استدلالًا بالآية الكريمة نفسها وسبب اختلافهم هل الأمر في الآية الكريمة يفيد الوجوب أو الندب (الاستحباب) فمن رأى أنه يفيد الندب قال: إن الاستعاذة مستحبة بسبب عدم وجود أدلة تبين أن النبي ﷺ أثَّم أحدًا لم يقرأ الاستعاذة، فبذلك وردت قرائن تصرف الأمر عن ظاهره وهو الوجوب, وعلى هذا لا يأثم القارئ بتركها, ومن رأى أنه يفيد الوجوب جعل اللفظ على ظاهره وقال: إنَّ النبي ﷺ واظب على الإتيان بها, ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ, ولأن الاستعاذة أحوط, وعلى هذا يأثم القارئ بتركها والله أعلم. والقول المختار: إن الاستعاذة واجبة بالوجوب الشرعي.
كما سبق وعرفت أن قبل الصلاة لا بد من الوضوء, وقبل الأكل لا بد من البسملة, وقبل التلاوة لا بد من الاستعاذة.
ج: نعني بالبسملة أن نقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» أي كوني مبتدئًا لهذا العمل، سواء الأكل أو أي عمل آخر بذكر اسم الله عز وجل استجلابًا للرحمة. إذا كنت مبتدئًا بالقرآن الكريم هل تؤدي البسملة؟ هذا ما سنعرفه عن البسملة ومعناها وصيغتها وحكمها في هذا الدرس.
ج: البسملة مصدر مأخوذ من بَسْمَلَ أي إذا قال: «بسم الله الرحمن الرحيم» كقولك: حوقل أي إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله, وقولك: حمدل إذا قال: الحمد لله وهكذا.
ج: صيغتها «بسم الله الرحمن الرحيم» ولا صيغة لها سوى ذلك من غير خلاف.
ج: لا خلاف بين العلماء أن البسملة بعض آية من سورة «النمل» من قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30] كما لا خلاف بين القراء على إثبات البسملة في أول سورة الفاتحة وقد أجمع القراء على الإتيان بالبسملة في أول كل سورة من سور القرآن ما عدا سورة «التوبة» والدليل على ذلك أنها قد كتبت في المصحف وأنه ثبت أن النبي ﷺ كان لا يعلم بانقضاء السورة حتى تنزل عليه «بسم الله الرحمن الرحيم»([46]). أما إذا قرأ القارئ في أجزاء السور فهو مخير حينئذ بين الإتيان بها أو تركها([47]). وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي([48]): ولاَ بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَائِكَ سُورَةً سِوَاهَا وَفِي الأَجْزَاءِ خَيَّرَ مَنْ تَلا وفي ترك البسملة من أول سورة براءة يقول الإمام الشاطبي([49]): وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً لِتَنْزِيلِهَا بِالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ ولقد علل العلماء عدم تنزيلها بالبسملة لسببين: الأول: أنها نزلت بالسيف أي بالأمر بقتل المشركين, ولأن بسم الله أمان, وبراءة ليس فيها أمان؛ لأنها نزلت بالسيف, ولا تناسب بين السيف والأمان. الثاني: عدم القطع والتأكد بأن براءة سورة قائمة بنفسها دون الأنفال([50]) والأول أشهر.
ج: إذا ابتدأ القارئ بقراءة أول آية من أي سورة ما عدا براءة فله الجمع بين الاستعاذة والبسملة وأول السورة بالأوجه الاختيارية التالية:
1ـ قطع الجميع: بمعنى أن القارئ يفصل بين الاستعاذة والبسملة وأول السورة بالوقف على كل واحدة منها. مثال: (أعوذ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ/ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)([51]).
2ـ قطع الأول ووصل الثاني بالثالث بمعنى أن القارئ يقف على الاستعاذة ثم يصل البسملة بأول السورة. مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أعوذ برب الناسِ.
3ـ وصل الأول بالثاني وقطعه عن الثالث بمعنى أن القارئ يصل الاستعاذة بالبسملة ويقف على البسملة ثم يبتدئ بأول السورة. مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ/ قُلْ أعوذ برب الناسِ.
4ـ وصل الجميع بمعنى أن القارئ يصل بين الاستعاذة والبسملة وأول السورة. مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أعوذ برب الناس. س: ما أوجه الابتداء بالاستعاذة في أول سورة التوبة من حيث الفصل والوصل؟ (لعدم وجود البسملة فيها). ج: للقارئ في هذه الحالة وجهان اختياريان:
1ـ فصل الاستعاذة بالوقف ثم البدء بأول سورة التوبة بلا بسملة كما يلي: مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيم/ بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُوله إلَى الَّذِين عَاهَدْتُّمْ مِنَ المُشْرِكِينَ.
2ـ وصل الاستعاذة بسورة التوبة مثل: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُوله إلَى الَّذِين عَاهَدْتُّمْ مِنَ المُشْرِكِينَ
ج: (أثناء أية سورة ما عدا التوبة) إذا تركت القرآن ثم رجعت إليه في وقت آخر من حيث الفصل والوصل للقارئ خياران إمَّا أن يأتي بالبسملة أو يتركها:
1ـ إذا أتى بالبسملة يجوز له حينئذ الأوجه الاختيارية التي سبق بيانها كما في ابتداء أول كل سورة. مثال: قطع الجميع: أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ/ اللهُ لا إلهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255].
2ـ قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ القَيُّومُ [البقرة: 255].
3ـ وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيم/ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ القَيُّومُ [البقرة: 255].
4- وصل الجميع: مثال: أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ بسْمِ الله الرحمنِ الرحيمِ اللهُ لا إلَهَ إلا هو الحيُّ القيومُ [البقرة:255]. ملاحظة: ولا يجوز وصل البسملة بالآية إن كان أولها اسم الشيطان حتى لا تقترن صفة الرحيم بالشيطان([52]).
مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة: 268] أو عدم الإتيان بالبسملة. مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ... إذا ترك البسملة حينئذ له وجهان وهما:
1ـ أن يقف على الاستعاذة ثم يفصلها عن أول الآية التي يريد أن يبدأ بها. مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ/ الله لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ. [البقرة: 255].
2ـ أن يصل الاستعاذة بالآية التي يريد أن يبدأ بها. مثال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 2]. ولا يجوز هذا المثال إذا كانت الآية تبدأ بلفظ الجلالة أو ضمير يعود إليه أو تبدأ باسم الرسول ﷺ أو ضمير يعود إليه. فيجب عدم وصل الاستعاذة بالآية, بل يجب البدء بها لكي لا يفسر المعنى لما يترتب عليه من البشاعة لمجاورة اسم الشيطان لفظ الجلالة أو الرسول ﷺ([53]).
مثال: في الآية التي تبدأ بلفظ الجلالة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «الله لا إله إلا هو الحي القيوم» أو «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ﴿الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 19] أو ﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾([54]) [فصلت: 47].
ج: لقد اختلف القراء في هذه السورة على قولين: القول الأول: يقول: ذهب الجعبري([55]) إلى أن البسملة كما منعت في أولها فإنها تمنع في أي جزء منها ففي ذلك وجهان: الأول: الوقف على الاستعاذة ثم البدء بجزء الآية منها:
مثال: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ/ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهم [التوبة: 64]. الثاني: وصل الاستعاذة بأول الآية المبتدأ بها: مثال: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهم [التوبة: 64]. القول الثاني: ذهب بعض القراء إلى جواز الإتيان بالبسملة أثناء سورة براءة كالجواز في الإتيان بها في غيرها من السور وعليه فيجوز الأوجه الأربعة المتقدمة في البدء بأول السورة وهي:
1ـ قطع الجميع: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم/ بِسْمِ الله الرُّحْمَنِ الرَّحِيم/ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهم [التوبة: 64].
2ـ قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: مثال: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهم [التوبة: 64].
3ـ وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: مثال: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم/ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهم [التوبة: 64].
4ـ وصل الجميع: مثال: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهم [التوبة: 64].
ج: إذا وصل القارئ آخر سورة بأول سورة أخرى فلا يخلو هذا الحال من صورتين: الصورة الأولى: إذا وصل القارئ آخر سورة بأول سورة أخرى ما عدا «براءة» فإنه يأتي بالبسملة([56]) بلا خلاف عند الجمهوروحينئذ فإن للقارئ ثلاثة أوجه اختيارية:
1ـ قطع الجميع: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَد/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم/ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ.... [بين الفلق والناس].
2ـ قطع الأول ووصل الثاني بالثالث بأن يقف على آخر السورة الأولى ثم يبدأ بالبسملة مع وصلها بأول السورة الثانية. مثال: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَد/ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ....
3ـ وصل الجميع بمعنى أن القارئ يصل آخر السورة الأولى بالبسملة بأول السورة التالية. مثال: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ.... وهذه الوجوه سواء كانت السورتان مرتبتين في التلاوة كآخر آل عمران مع أول النساء أم كانتا غير مرتبتين كآخر الفاتحة مع أول المائدة. أما وصل آخر السورة الأولى بالبسملة ثم الوقف والابتداء بأول السورة الثانية فهو ممنوع عند القراء إجماعًا([57]) لأن البسملة لم تجعل لأواخر السور بل جعلت لأوائلها. مثال: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم/ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ....
ج: بين سورتي الأنفال والتوبة يجوز للقارئ ثلاثة أوجه اختيارية بدون الإتيان بالبسملة:
1ـ القطع وهو المختار: الوقف على آخر سورة الأنفال أي قطع الصوت على الكلمة زمنًا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة, تقول: ﴿إنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ بإسكان الميم مع مد العارض للسكون, ثم تنفس, ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِه﴾ [بين الأنفال والتوبة].
2ـ السكت أي قطع الصوت لمدة يسيرة وهو دون زمن الوقف عادة بدون تنفس عند نهاية سورة الأنفال ثم البدء بأول سورة التوبة تقول: ﴿إنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ بإسكان الميم مع مد العارض للسكون, وعدم التنفس ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِه﴾.
3ـ الوصل أي أن يصل القارئ آخر سورة الأنفال بأول سورة التوبة تقول: ﴿إنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ إقلاب النون الساكنة من التنوين ميمًا عند التقائها بالباء ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِه﴾. الأوجه الثلاثة السابقة جائزة سواء كانت بين سورتي الأنفال والتوبة, أو بين أي سورة أخرى وأول براءة بشرط أن يكون آخر هذه السورة قبل أول سورة براءة في ترتيب المصحف الشريف، أما إذا كانت هذه السورة بعد سورة براءة في ترتيب المصحف الكريم فلا يجوز حينئذ إلا القطع بدون البسملة ويمنع الوصل والسكت، وكذلك إذا كرَّر القارئ سورة براءة فلا يجوز حينئذ إلا القطع بدون البسملة ويمنع الوصل والسكت([58]).